بالنظر لما لها من أهمية تاريخية وحضارية وروحية لدى الدول والمجتمعات، كانت الممتلكات الثقافية موضوع قواعد وآليات لحمايتها، أحدثها القانون الدولي الإنساني. وقد تم التنصيص على القواعد الاتفاقية الخاصة بهذا الموضوع في اتفاقية لاهاي لسنة 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، البروتوكولان الملحقان بها المؤرخان في سنة 1954 وسنة 1999.
وتحدد هذه الصكوك الاتفاقية تعريف الممتلكات الثقافية وأنواعها وتضع الوسائل لحمايتها والحفاظ عليها. كما تكرس مبادئ ومعايير وإجراءات لتأمين المحافظة الكاملة على هذه الممتلكات، الثابتة منها والمنقولة، ضد الأضرار التي قد تتعرض إليها خلال النزاعات المسلحة، ولصيانتها من مخاطر الهدم والسرقة والنهب وذلك بهدف الحفاظ على التراث الثقافي للدول وكذا على التراث المشترك للإنسانية.
وتعد المملكة المغربية في مقدمة الدول التي انخرطت في غالبية اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، والتي تعتبر طرفا في الصكوك المتعلقة بالمحافظة على الممتلكات الثقافية. ذلك أنها انخرطت في اتفاقية لاهاي وفي بروتكولها الأول في سنة 1968، ثم صادقت على البروتوكول الثاني الملحق بالاتفاقية المذكورة في سنة 2013. كما صادقت المملكة، في أكتوبر 1975، على اتفاقية اليونسكو لسنة 1972 لحماية التراث الثقافي والطبيعي، التي تمثل أهم صك ينظم التعاون الدولي في هذا المجال.
ولأجل ضمان حماية الممتلكات الثقافية، توجب قواعد القانون الدولي الإنساني على الدول القيام، في زمن السلم، باتخاذ تدابير للمحافظة على الممتلكات سالفة الذكر. وتشمل هذه
التدابير سن قوانين ملائمة، وتعزيز الآليات الإدارية المناسبة، وتحديد المسؤوليات المؤسسية، ووضع مساطر ومخططات عمل للمحافظة على الممتلكات الثقافية في زمن النزاع المسلح، وكذا إعداد برامج مناسبة لتكوين الموظفين الممارسين في المؤسسات الثقافية والعموم، غايتها التكوين والتحسيس بضرورة حماية واحترام الممتلكات الثقافية.
وتنفيذا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، فإن المغرب منخرط بشكل كامل وعاقد العزم على دعم أي مبادرة تروم حماية وتعزيز التراث الثقافي، سواء فيما يخص الترميم أو المحافظة أو النهوض بذلك التراث.
من جهة أخرى، تعتبر المملكة المغربية عضوا نشيطا في لجنة اليونسكو، لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، منذ انخراطها لأول مرة في سبتمبر 2015 في أشغال هذه اللجنة الهامة المكلفة على الخصوص بالإشراف على تفعيل البروتوكول الثاني.
وعلى الصعيد القاري، وقع المغرب في 29 نوفمبر 2022 مع اليونسكو اتفاقا إطارا لحماية التراث الأفريقي. وهذا الاتفاق سيساهم في إنعاش أنشطة تعزز صيانة التراث الثقافي وبناء القدرات في إفريقيا في هذا المجال.
ومن الجدير بالذكر أن التوقيع في يناير 2023، تحت رئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا حسناء، رئيسة مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي للرباط، على اتفاق شراكة بين اليونسكو والمؤسسة، كان مناسبة أبرزت خلالها المديرة العامة لليونسكو السيدة أودري أزولاي، الالتزام السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بالتعاون بين المملكة المغربية وهذه المنظمة الأممية في العديد من المجالات وخاصة ما يتعلق بصيانة التراث الثقافي.
كما أن تنظيم المملكة المغربية، بمبادرة من اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، في يوليوز 2018، لتظاهرة هامة تنصب على حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، يبرهن عن الاهتمام الذي يحظى به هذا الموضوع في برنامج اللجنة.
وفي نفس السياق، وفي إطار المهام المسندة إليها، والمنصبة على الخصوص على اقتراح كل إجراء أو تدبير من شأنه أن يعزز الاهتمام بالقانون الدولي الإنساني، والعمل على تنسيق جهود مختلف الجهات المعنية بتطبيق القانون الدولي الإنساني، تنظم اللجنة يوم الثلاثاء 06 يونيو 2023 بالرباط، ندوة دولية حول "حماية الممتلكات الثقافية في القانون الدولي الإنساني: المسؤوليات والآليات". ويندرج تنظيم هذه الندوة ضمن جهود تنمية منظومة القانون الدولي الإنساني وتفعيل أحكام اتفاقيات القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية. كما تندرج في سياق القرار رقم (1)، المعتمد في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المنعقد بجنيف في سنة 2019 حول "تنفيذ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني وإعداد ورقة طريق لتحسين إعمال القانون الدولي الإنساني على المستوى الوطني". وقد أكد القرار سالف الذكر على مسؤولية الدول في اتخاذ عدد من التدابير الوطنية من أجل تحسين احترام القانون الدولي الإنساني، ويجدد التأكيد في فقرته الخامسة على الدور الأساسي للجن الوطنية للقانون الدولي الإنساني في هذا المجال.
وبتنظيمها لهذه الندوة الدولية، تروم اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني تعزيز الجهود الوطنية للنهوض بمنظومة القانون الدولي الإنساني ودعم تفعيل القواعد الاتفاقية التي تؤطر حماية الممتلكات الثقافية. كما أنها تهدف إلى توجيه اهتمام القطاعات الحكومية وباقي الجهات المعنية بتطبيق المقتضيات المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية، خلال زمن النزاع المسلح، وتلافي تدميرها أو هدمها أو نهبها أو الاتجار غير المشروع فيها. وتهدف كذلك، من خلال تنظيم هذه الندوة، إلى تقديم إطار وأرضية ملائمين إلى القطاعات المعنية قصد تعميق فهم الإطار القانوني الدولي لحماية التراث الثقافي في زمن النزاع المسلح. وتهدف في الأخير إلى تقاسم الممارسات الفضلى الوطنية في مجال تطبيق القانون، والتعريف بأدوار ومسؤوليات المؤسسات الوطنية المعنية والمنظمات الدولية المختصة، ومن بينها اليونيسكو واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك فضلا عن البحث عن أجود السبل الكفيلة بتطبيق القواعد الدولية ذات الصلة بحماية الممتلكات الثقافية على المستوى الوطني، واتخاذ الإجراءات والتدابير الإدارية اللازمة، ومواءمة التشريعات الوطنية مع تلك القواعد الاتفاقية.